عمل نبي الله داود عليه السلام ، هذا ما سيتم الحديث عنه من خلال هذا المقال ، فنبي الله داود من الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى الناس لدعوتهم لعبادته سبحانه وتوحيده وعدم الإشراك به، وقد كانوا خير قدوةٍ للناس، وقدّ علّم الأنبياء والرسل البشر أصول الدين وكيفية العبادة، وكذلك علّموهم ما ينفعهم في حياتهم، فأرشدوهم للسعي والكسب والعمل الدؤوب، ومن خلال المقال التالي سيتمّ التعرف على ماذا كان يعمل نبي الله داود وأعمال الأنبياء والرسل، ومكانة العمل في الدين الإسلامي.
نبي الله داود عليه السلام
قبل معرفة عمل نبي الله داود عليه السلام فإنّ من المهم المرور على نبذة تعريفية عنه، حيث إنّ نسبه الشريف يرجع إلى نبيّ الله إبراهيم عليه السلام، فهو كما ورد أنّه داود بن أيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عوينادب ابن إرم بن حصرون بن فرص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد خصّه الله أن جمع له في نصه الملك والنبوة، ولم يكن قد وهب الله غيره ذلك، وقد كان في صغره راعيًا وهو أصغر إخوته الاثني عشر، وكان بارعًا في قذف الحجارة، حتّى كانت الحرب بين قوم طالوت ضدّ جالوت وقومه، وكان جالوت جبّارًا مفسدًا، فأعلن طالوت أنّ من يقتل جالوت في هذه الحرب سيتزوّج من ابنته، وسيكون ملكًا من بعده، فقتله داود عليه السلام وأصبح ملكًا على نبي إسرائيل وكان ملكًا حكيمًا عادلًا.
عمل نبي الله داود عليه السلام
إنّ عمل نبي الله داود عليه السلام هي الحدادة، وذلك لما ورد في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. فالآية الكريمة تشير إلى أنّ عمله عليه السلام كان في صناعة الحديد وهي الحدادة، فقد ورد أنّ نبي الله داوود كان يعمل حدّادًا في صناعة الدروع والتروس، وقد وهبه الله هذه المقدرة على تليين الحديد بين يديه كالشمع والعجين، ويعدّ هو أول من صنع الدروع بالشكل الكامل المجدي، وقد كان يجني من هذه المهنة المال الوفير الذي نفق منه على نفسه وعلى عياله ويتصدّق منه، حيث أنّه يروى أنّ نبي الله داود كان يخرج إلى الناس يسألهم عن نفسه، فتصوّر له ملكًا بهيئة بشر، فسأله عن نفسه فقال له نعم العبد داود لولا أنّه يأكل من بيت المال، فدعا ربّه أن يسخر له عملًا أو مهنةً ينفق منها ويكسب قوته وقوت عياله، فرزقه الله الموهبة على صنع الحديد بيده.
الصناعة التي اشتهر بها النبي داود
إنّ عمل نبي الله داود عليه السلام الذي اشتهر به هو صناعة الدروع، والتي كانت كالسترة المصنوعة من الحلقات المتشكلة من الحديد، والتي كانت يرتديها المقاتل على جسده لتحميه من السيوف والسهام والطعنات، وقد امتازت دروع نبي الله داود أنّها لم تكن كالدروع التي كانت معروفة بل كانت متقنة الصنع مجديةً لغرضها سهلة الاستخدام، وكانت مريحة للمقاتلين تساعدهم على الحركة بعكس الدروع الأخرى، وقد قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}. وبالرغم من كونه صانع دروع إلا أنّه الملك في ذلك الزمان والله أعلم.
صفات نبي الله داود عليه السلام
بمعرفة عمل نبي الله داود عليه السلام فمن المهم التعرف على صفاته التي اتّصف بها، فنبي الله داود عليه السلّام كان ملكًا عابدًا تقيًّا ورعًا، وكان مثالًا يحتذى بالفروسية والشجاعة، وقد كان في بداية حياته رجلًا فقيرًا من رجال بني إسرائيل، وكان راعيًا للأغنام، ثمّ جاء تكليف نبي الله داود بوظيفة الخلافة في الأرض، فقد قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}. فكان نبي الله داود ملكًا حكيمًا، نال العلم، والحلم والتأني، وقد آتاه الله علمًا شرعيًا وعلمًا ماديًا، فعلّمه الزبور، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب وسخّر له الجبال والطير يسبحن معه، وكان شكورًا عابدًا أوّابًا.
عمل الأنبياء عليهم السلام
إنّ كلّ نبيٍّ ورسول أرسله الله كان له عملٌ يقتات منه ويعيل عياله منه، فكما كان عمل نبي الله داود عليه السلام هو الحدادة فقد عمل الرسل بمهنةٍ علّمهم الله إيّاها، والحكمة من ذلك أن من المهم في الدين أن يكون للرجل عملًا يقتات منه ويقوم بأدائه ليسنده بما تتطلبه شؤون الحياة، فكان أبو البشر آدم عليه السلام فلّاحًا يحرث الأرض ويزرعها، وكان نبيّ الله إدريس عليه السلام كاتبًا وخيّاطًا ونوحٌ عليه السلام نجّارًا، أمّا خليل الله إبراهيم عليه السلم فقد كان بنّاءً وإلياس نسّاجًا، وقد عمل موسى برعي الأغنام، وعيسى عليه السلام امتهن الطّب، ويوسف عليه السلام كان أمينًا لخزانة الدولة ووزيرًا عليها، وكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم راعيًا وتاجرًا، وقد قال تعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. والله ورسوله أعلم.
مكانة العمل في الإسلام
إن الشريعة الإسلامية تحثّ على العمل وتأمر به، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لأن يأخذَ أحدُكُم أحبلَهُ ، فيأتيَ الجبلَ ، فيجئُ بحزمةِ حطبٍ على ظَهْرِهِ فيبيعَها ، فيستغنيَ بثَمنِها ، خيرٌ لَهُ من أن يسألَ النَّاسَ ، أعطوهُ أو منعوهُ”. ففي هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تحثّ على الأكل من عمل اليد والكسب المباح، وتحثّ على السعي للعمل، وقد نبّه الإسلام لتأدية حقوق العمال وصان حقوقهم، وشدّد في ذلك فالعامل هو الطرف الضعيف على الدوام، لذلك كان أمر الإسلام مشدّدًا في تأدية حقّه وعدم ظلمه.
بهذا نختتم مقال عمل نبي الله داود عليه السلام، والذي عرّف بنبي الله داود عليه السلام وبيّن ما هي مهنته، وسلّط الضوء على أعمال الأنبياء والرسل عليهم السلام، كما ذكر أهميّة العمل في الدين الإسلامي.