سأل أحدهم مرة واحدة فقال: لماذا لم يؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا مرة في حياته ، مع أنه قدوتنا في كل عمل صالح؟
فكانت الإجابة كالتالي: سؤالك صحيح ويستحق الإجابة. وقد قال العلماء في إجابة هذا السؤال أكثر من قول أو سبب.
فمنهم من قال: يعود السبب إلى أن الأذان يشتمل على دعوة، فإذا قال وهو يؤذن: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" كان ذلك منه عليه الصلاة والسلام أمراً وجب على كل من يسمعه أن يجيب طاعة الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا تخلف عصى وأثم وربما كفر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث: "كلكم تدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" (رواه البخاري) .
وقال البعض: إن السبب في كونه لم يؤذن هو أنه صلى الله عليه وسلم بعث داعياً إلى الله تعالى، فلو أذن وقال: "أشهد أن محمداً رسول الله"، ثم قال: "حي على الصلاة حي على الفلاح"، فكأنما يدعو لنفسه، وباصطلاح اليوم كأنه يعمل دعاية لنفسه، وهذا لا يجوز في حقه عليه الصلاة والسلام .
وقال آخر: السبب أنه لو أذن للصلاة وقال: أشهد أن محمدا رسول الله ، لكان بعضهم قد تصور أن نبي آخر موجود في عهده أو بعده.
وقيل أيضا: أن الآذان شرع برؤية منامية رآها غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم. أسندها للآخرين لأنه كان مشغولا بأمور أخرى كثيرة.
وولكون الأذان أمانة من الأمانات، فلا مانع أن يسند الرسول صلى الله عليه وسلم الأذان أمانة إلى أصحابه ليحملوها معه ، خاصة أنه قال: "الإمام ضامن، والمؤذن أمين" (رواه أحمد والترمذي وأبو داوود) .
بلى . . المؤذن أمين. ألا ترى أن المسلمين في شرق وغرب الأرض لا يصلون ولا يفطرون إلا إذا سمعوا أذان المؤذن للصلاة أو الإفطار؟ لذلك فهو مؤتمن على هذا العمل ، عند على الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وعند الأمة جمعاء.
وورد شرح آخر عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، وهو لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أذن مرة واحدة ، كان سيطلب منه الثبيت ، أي أن يستمر عليه مواظباً على أدائه ، مثل الإمامة والخطابة.
فكيف يتفرغ للأذان خمس مرات في اليوم وفي أوقات محددة بدقة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم مثقلًا بكثير من هموم الرسالة والدعوة؟
يذكر الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" عندما يذكر خلاف العلماء في أيهما أفضل الأذان أم الإمامة فيقول: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم من بعده لم يثبت أنهم أذنوا، بل أمّوا فقط، ومشى على نهجهم كبار الفقهاء والعلماء من بعدهم" .
وهذا دليل على أن الإمامة أهم ومسؤوليتها أكبر ، ولذلك أخذوها على عاتقهم ، وهذا لا يقلل من أهمية الأذان ، ولا ينتقص من أهمية المؤذن. ففي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤذنين يبعثون يوم القيامة أطول الناس أعناقاً"، وفي هذا الحديث دليل على شرف هذه المهنة، وسمو مقام المؤذن في الدنيا والآخرة .